ما من أحد
قبل ثلاث سنوات، وفي مثل هذا اليوم تماماً، قالت أمّي لأبي: “اسألو أيمتى راجعين، (انشلع قلبي) على شوفتهن..”، وكنتُ أسمع هذا، أثناء حديثي معهُ، عبر سمّاعة الهاتف.
*
القلب: عضو عضلي أجوف يستقبل الدم من الأوردة و يدفعه في الشرايين. القلب: عضو عضلي أجوف يستقبل الدم من الأوردة و يدفعه في الشرايين. كرّرتُ هذا بصوتٍ عالٍ ألف مرّة، عسى يختفي كلّ شيء، لَم يختفِ أي شيء. ثمّ، وبكل ما أوتيتُ من بلاهة، ضغطت كبسة الـ”see more”: الوَتِين: هو الشِّريان الرئيس الذي يغذِّي جسمَ الإِنسان بالدّم النقيِّ الخارج من القلب.
*
“الشّلعُ”، هو القلعُ والاستئصال، حسب النبطيّات السريانيّة والآراميّة. استُعمِلَت بكثرة لفظةُ “الشلّاعيّات” في بدايات القرن الماضي، قبلَ مئة عامٍ تماماً، كإشارةٍ للطقطوقات الصغيرة التي غنّتها الأُمّهات الفلسطينيّات لأبنائهن ممّن سرَقهم الـ”سفر برلك”.
*
الـ”غوغل سيرش” مفيد بعض الأحيان لأجل أن تصير أبلهَ واثِق الخُطى.
*
السفر برلك: اصطلاحاً بالتركيّة: التجهّز والحشد للحرب، أمّا حرفيّاً فالسّفر هو الرحيل، و البر هي الديار، و الـ لك أداة وصل تُربطُ مع البر لتعني الرحيل الطويل، و قد ترجمهُ اللغويّون في العراق آنذاك إلى: “الروحة بلا رجعة”.
*
ومن ميزات عرق “البردوني” أنّه يصبح كلور لتنظيف الأسطح اللماعة عند حاجته.
*
سكبتُ كأساً.
*
طيّب وطـز يعني، ومَثلاً، ما من أحدٍ يعرفُ الآن، كَمْ كانت تلك الأغاني، الترنيمات، تشلعُ القلب. وما من أحدٍ، أيضاً، يذكرُ، إلا القليل، عن كُل أولئك اللذين ماتوا، أو هاجروا، أو اختفوا، أثناء السفر برلك.
*
نَسينا، ننسى، وهُناكَ أيضاً، مَن سينسى يوماً، كُلّ هذا.
*
كُل تلك التفاصيل، ومؤلِمٌ، كيفَ ستختفي، ثمّ، لا فرق، كُلّ هذا، سيصيرُ سطراً: “حدثَ تحوّلٌ تاريخيٌّ في سوريا قادها إلى كذا و كذا”.
*
الطلقةُ التي أخطأت أمي، قذيفة الهاون التي أوقَعتها أرضاً، دمعاتُ الخوف.
*
الصّمتُ الذي يعرفُ أبي تماماً كيفَ يقوله، بهدوء.
*
ما قالتهُ الطفلةُ لأبيها قبل أن تغرق، الرسالةُ الصغيرة في جيب الجُثّة، القطّةُ مع الطلقة في ظهرها، الثقةُ بالغرباء، شايُ الحطب، الهيلوكابتر، عناق الجميع للجميع، الصواريخ، توصياتُ قبل الخروج، الميغ، الابتسامات، خريطةُ الطريق، الجوع، الاختناق، البسكويت المُكتشَف في الحقيبة، البرد، الرّغبة، الخيمة، غضبُ الأصدقاء أنّك غبي، العبور، الحاجز، السجائر المطعوجة، الضحكات، الموت، الأموات، الخ الخ.
*
تفاصيل، تَشلعُ القلب، العضو العضلي الأجوف، ثُمّ تُنسى، قصّة صغيرة، لا شيء مُضحك بها أبداً، يستحقُّ تذكّرها.
*
كُنّا يوماً هنا، وكم أحببنا ذلك، وكفى. * .. https://www.alaraby.co.uk/texts/2015/8/12/%D9%85%D8%A7-%D9%85%D9%86-%D8%A3%D8%AD%D8%AF