كورتولوش
نافذةُ القبو تُطلّ على أقدام السّكارى، في الخارج، ليلًا، سكارى مُحنّكون، أصواتهم غامضة ودافئة، وفي الصّباح يمرّ قط، يلتفت ثمّ يموء ويرحل.
في البيت، القبو، في تفاهة الحياة اليوميّة، في الاستقرار الذي لا يحمل كنزًا، لا نعرف كيف نستغني عن فكرة وجود كنز، أنّ لدينا غرفة دافئة، في قبو، في كورتولوش.
وفي الليل، في كلّ ليل، نحلم بذئاب ملّونة، تركض ببطءٍ في الشّوارع.
أصوات الطّائرات تعبر فوق كورتولوش، بالنسبة للركّاب فيها كلّ البيوت متشابهة، الأسطح والأقبية، بالنسبة لنا كلّ الطائرات متشابهة، حمَلت أشخاصًا أم قططًا أم أكياسًا سوداء، هي طائرات تمرّ، بصوت عالٍ، فوق كورتولوش، ونحن في البيت، القبو، لدينا حساء بطاطا، وفي الخارج سكارى محنّكون، أصواتهم دافئة، تعبر فوقهم طائرة.
السّفن تنام ليلًا، بحبلٍ عملاق يربطها عمّال الموانئ كما تُربَطُ كلاب الحراسة، صافرة رعديّة يصل صوتها للقبو في كلّ ساعة ليلًا تُخبر بنومِ سفينةٍ جديدة ربّما تحمل أشخاصًا أو قططًا أو أكياسًا سوداء، تمرّ فوقها طائرة، ونحن في القبو، نرى أرجل السكّارى المحنّكين، ثمّ غدًا عند النافذة سيلتفت قطّ ويموء ويرحل.
والنوارس، كيف ننساها، لابدّ من ذِكر النّوارس التي تسافر ليلًا كي تنام وفي الصّباح تسافر عائدةً كي تأكل، في الرّحلتين أصواتها كقهقهاتٍ طويلة لعجائز مخمورين وسط الطّائرة والسّفينة وأقدام السّكارى والقطّ صباحًا والقبو، في كورتولوش.
وفي كلّ ليل، نحلم بذئاب ملّونة، تركض ببطءٍ في الشّوارع.
بائع الخبز “السيميت” يُسلّم كلّ يوم على الجّميع، يقول اسم من يراهُ ثمّ يصرخ: سيميت سيميت، ومن النّافذة في كلّ يوم نفس الجارة من بيتها فوق السّطح تنادي: يا بائع السيميت، واحدة، أريد واحدة، ثمّ ترخي سلّة قشٍّ فيها ثمن الخبزة، يضعها البائع ثمّ ترفع الجارة السلّة بيديها السّمينتين.
قبو وسكارى وطائرة وقط وسفينة وبطاطا وذئاب ونوارس، هذا مألوف، لكن، البارحة لم تشتر الجارة خبزةً، ولم يعرف جيرانها إن كانت قد اشترت سابقًا خبزتين أم لا، حتّى بائع السيميت لم يستطع التذكّر.
كان ذلك غريبًا بالنسبة للجّميع. لكنّه كان مرعبًا جدًا لنا.
هذا ما حدث معنا في كورتولوش. * ..