إلى صديقي، إلى كلّ الأشياء التي ضِعنا من أجلها

تمسَّك بالماء وأنتَ تغرق، وافتح عينيك جيّداً، لترى، وضوحَ الأمنياتِ وهي تطفو..

*

لا أسماءَ للوهم، ولا يعرفُ الملحُ شيئاً عنّا، نشوةٌ كاذبةٌ كحكايةِ الأملِ تنبتُ هنا، والأمل، مثل الكذب، ومثل الرّب، حقيقيٌ في بادئ الأمر. والأمل، هو لعبة الملل.

*

في الغرفةِ المستديرة، أصحو، هنا ضوءٌ، ولكن، مثل الظلام، الضوءُ أيضاً يُقلقني، وأيضاً، يغريني، ولا أدري حقّاً، ما سيحلُّ بي،  في غرفةٍ مستديرة، نصفها مُضاء، ونصفها الآخر، معتم.

*

بعدَ قليل، سينتهي منّا الوقت، كأنّا دائماً، في الدقيقة التسعين، من مباراةٍ لم تبدأ بعد.

*

هل يشعرُ الطريقُ بذكريات عابريه؟ ومن يعرفُ تأثير الحُزن، على تفتّحِ وردة؟ لا أسماء للحزن، ولا يعرفُ الموتُ مهنةً أخرى.

*

المعجزة دائماً كانت أنّ هناكَ وقتاً، وأنّنا أحياء، نحسبه، ونكتبُ عنه، والذعر كلّه كان أنّني لا أصدّق هذا، بطريقةٍ أو بأخرى.

*

الأصابعُ أنيابُ العازفين، كؤوسٌ بلوريّةٌ للبرد، الأصابعُ ذاتها، تطلقُ الرصاص أمام المرآة، كأنّها، تحب في المرآة، قتلك.

*

هو الموت غرقاً، هو الغرق المتواصل، في الخوف من الرحيل عبر ماء.

*

أربع سنواتٍ من سيّارات المطار، نذهبُ، ثمّ أعود وحيداً، سألني اليوم السائق عن اسمي، ولم أعرف الجواب تماماً لا مشكلة، أستطيع الوقوف، بلا اسم، لكنني، حزينٌ قليلاً فقط، كمن يخبرك، عن تأخر الغد، إلى يومٍ آخر .

*

المسافرون، يرغبون بالرحيل وبالبقاء، في نفس الوقت. الرغبة تلك، تجعلهم مسافرين دائماً، حتى لو بقوا للأبد، ممسكين بالتذكرة، يراقبون القطارات، ولا يغادرون.

*

الغارقون لا يستعملون مقاعد المحطات ولا يقطعون تذاكر العودة، أي لحظةٍ قد تكونُ الأخيرة دائماً. الأحياء أيضاً، أي لحظة هي الأخيرة، لكنّهم لا يخافون ذلك، فقط.

*

المسافرون وحدهم، يعرفون تماماً، معنى أن تكون وحيداً، خائفاً من الغرق، ثم يصمتون، في سبيل الحفاظ، على متعة امتلاك تذكرة الشجاعة، تلك التي تخرجهم متى يشاؤون، إلى حلمٍ دائمٍ مشتهى، لا يأتي.

*

سيطلبون دائماً الجلوس قرب النافذة، كما لو أنها قُبلتهم الأخيرة. الباقون، لهم كل النوافذ، ويعرفون، أن الحلم، لا يأتي، لن يأتي، بتذكرة .

*

من يبقى، سيصمت أيضاً، من يغرق كذلك الأمر .

*

أتحدث عن العودة مع كلِّ من لن يعود، يندبون رحيلهم، وأندب معهم، لنا الحق في أن نعود، ثم، وما أن يطلع الصباح، يسافرون هم، وأبقى نائماً

*

ما من غرفةٍ واحدة أشتاقها لأجل أن أقول: أنا آتٍ ولو بعد حين . من شدة الكثافة، لن تذكّر أربعين عقد إيجار، ولن تعرف حتى طريق بيتك الأخير، مجموعةُ غرفٍ وشوارع وحيطان وأمهات وحبيبات لا يصنعن منك سوى تاجر قصص رخيصة معظمها مُتخيّل لأجل إضحاك: المسافرين .

*

السكن العشوائي، ما يسميه الستالينيون بـ المخالفات، الجدران اللصيقة كأفخاذ الحبشيّات، الشبابيك المُطلّة على الشبابيك المطلة على شارعٍ لا يدخلهُ إلا من غافلتهم قبلةٌ أو مثانةٌ مستعجلة، أثداء الجار البشع في الطابق الثاني نسبياً، الأول حكومياً، مزراب المياه قرب شبكة الكهرباء قرب نعوة الشهيد قرب إعلان مُسلّك البلاليع، أبواب النحاس الصدئ، كيف أحكي لهم كلّهم في قلب المدينة العطشى، عن الغرق؟

*

أهرب دائماً، وأنجح، هذا فقط ما أذكره عن الحارات الضيّقة: الخرائط .

*

لا خرائط للمياه.

*

أشتاقُ كل الحارات الضيّقة، لا أعرف أبداً كيف أختبئ في الساحات.

*

أشتاق أن أعود لأجل أن أقول: أريد الرحيل.

*

أشتاق، ألا أرى وجوهاً في الماء.

* ..

* في فيلم  The edge يحاول كلّ أصدقائه قتله، ينتهي الفيلم بموتهم كلّهم. تسأله الصحفيّة: أين أصدقاؤك؟ فيجيب أنتوني هوبكنز: ماتوا محاولين الدفاع عنّي.

* العنوان “إلى صديقي، إلى كل الأشياء التي ضعنا من أجلها”، يظهر كإهداء في نهاية فيلم “الحب كلب”، 2000. “الحب كلب” اسم قصيدة لـ تشارلز بوكوفسكي .. https://www.alaraby.co.uk/texts/2015/7/13/%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%B5%D8%AF%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%8C-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D9%83%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B4%D9%8A%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A-%D8%B6%D8%B9%D9%86%D8%A7-%D9%85%D9%86-%D8%A3%D8%AC%D9%84%D9%87%D8%A7